الوضع المظلم
الثلاثاء ٢١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
صفرية المعادلة السورية:
جمال الشوفي

مما لا شك فيه أن الحلم حق البشرية وحافزها للتطور، وليس فقط. الحلم متّسع الأفق وذو غلبة نفسية. إنه يمنّي النفس البشرية بالمستقبل، وكل في حلمه له شؤون. لكن، الحلم مختلف عن الواقع، واختلافه جذري بنقاط عدة أهمها: الحلم مرتبط بمساحة الخيال أو الميتافيزيقا عند البشر، فيما الواقع مرتبط بجمل متداخلة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة، كما أن الواقع محدد بالمعطيات فيما الحلم، حتى وإن كانت عناصره من الواقع ذاته، لكنه متّسع على الأماني والرغبات، فكيف وإن أضفنا أهم الفروق، اذ بين الحلم والواقع هوة لا يردمها إلا العمل كما، بقي يردد فيلسوف العقلانية السوري إلياس مرقص، وهذا مدخل سياسي لم يتوقف يوماً عن حضوره العام.

خلال إحدى عشر عاماً مضت، ثمة أحلام أرادها السوريون بتوضعاتهم وكتلهم، واختلافها أوجد صفراً واقعياً وصفراً عملاً:

حلم السلطة القائمة بنصر عسكري ساحق على قوى المعارضة السورية، مستقدماً ومستقوياً بالإيرانيين والروس بحرب ضروس على "الإرهاب وحماية الديموقراطية"، كما أعلنتها بثينة شعبان منذ أول الحراك السلمي الشعبي، في مغالطة تاريخية أودت بسوريا الحالية للتهلكة! وغرض الحلم استعادة قصة نابليون بونابرت في التاريخ من جديد.

حلم فريق من المعارضة أن تلعب أمريكا ذات الدور الذي لعبته في العراق، وربما اختلفوا فيما بينهم من يكون الجلبي.

وفريق آخر حلم بأن الروس سوف ينهون التطرّف الإسلامي المتشدّد ثم يلجؤون بعدها للبحث عن رمضان قاديروف الشيشاني، من قائد مليشيا أو حزب لحاكم في سلطة مستدامة، والغرابة هنا التقاء بعض من في السلطة وأجهزتها مع بعض من المعارضة ومجموعاتها السياسية والعسكرية في هكذا حلم.

وفريق حلم أنه بانتهاء المعارك العسكرية سيعود البلد لاستقراره، لا بل لما هو أفضل مما قبل 2011، وكثر منّوا أنفسهم بالأرياح القادمة مع إعادة الإعمار ومشاريعها الضخمة.

وثمة من حلم، وما زال يحلم بالتغيير بعيداً عن هذا وذاك، وعمل لأجله بكل الطرق والوسائل، مستثنياً الأماني والأوهام، ومع هذا لم يحدث التغيير لليوم.

تتنوع الأحلام وتتعدّد المشاريع وكل عمل بطريقته لحلمه، لكن الواقع لليوم صفر النتيجة، فلم يحدث الحسم العسكري ولن يعيش بونابرت مرتين، ولن يأتي الجلبي السوري على دبابة أمريكية أيضاً، كما لم يستقر البلد سياسياً واقتصادياً، بل هو من انهيار لآخر، ولا أموال إعادة الإعمار قادمة على طبق من ذهب لهذا أو ذاك.

حين تتم الكتابة بهذه الطريقة، أو يأخذ التحليل مساره لأبعد من ذلك، يأتي من يقول: ولماذا هذه العنجهية بالطرح والتسخيف من حق الناس في الأحلام؟ لا بل وتأتيك المزاودة من كل صوب وحدب: سينتصر فلان أو علان وسنسحق الأعداء، فكل صاحب حلم وله أعداؤه حسب رواية "السلطة غزوة".. ولسان حالي يقول لم تكن سوى كوابيس اختلطت على أصحابها بالأحلام.

الواقع السوري مختلف عن بقية جغرافيا المنطقة، سياسياً وأمنياً ودولياً، والمسألة السورية مختلفة عن العراق 2003، وعن الحالة الليبية 2011، وعن الحالة المصرية 2013 (والإشارة لعودة حكم العسكر بقوة انقلابية)، ومختلفة عن تاريخ ثورات الشعوب، فما العمل الذي نتحدث عنه، وقد استنفذنا كل الأحلام وطرق العمل السابقة؟

سوريا نقطة استعصاء عالمية، بين منظومة روسية صاعدة وأمريكية متراجعة جزئياً. سوريا موروث سياسي عقيم في المنتج السياسي العام سوى الاستبداد وحكم الحزب الواحد والفرد الواحد وسيكولوجيا القهر ومنظومة الفعل المجتمعي. أما ذلك الانفتاح والتحرر الذي دفع ثمنه مئات آلاف السوريين ممن حلموا بدولة الحرية والقانون، وقد كان الحلم المخالف والعمل المختلف الذي عطله كل أصحاب حلم "السلطة غزوة"، فهو الذي يمكن لليوم استعادته كحافز لعمل، أدرك تماماً ثقل عبئه وأثقاله، لكنه الحاضر المستدام.

من هذين المعطيين، حكماً لا يكفيان لتشكيل أدوات عمل سياسية، لكنهما ضرورة واقعية يمكنها التأثير في الواقع وتحريك ممكناته أو زحزحتها، أقله باتجاه التقاء أصحاب مقولة العمق الوطني وربط الحلم بالواقع، ما قد يشكل لقاءً سورياً محدد الغرض والهدف وطرق العمل:

أولاً، استبعاد الأحلام الوردية واستحضار وجبة الواقع القاسية. ومنها استبعاد مفهوم السلطة غزوة كلية عقيمة النتائج والمدمرة.

ثانياً، التيقن أن التجريب محاولة فاشلة في مسار السياسة، بل قد تكون كارثية أيضاً.

ثالثاً، تحليل معادلات الداخل السوري، اقتصادياً وسياسياً ومدنياً، وربطها بالمحاور الدولية والإقليمية الفاعلة فيها، والأخذ بمعطيات الدراسات الجدية في هذا السياق.

رابعاً وخامساً، التركيز على تفعيل نقاط القوة في الملف السوري. فدولياً هناك حاجة روسية للتغير الجزئي في بنية السلطة القائمة لتتماشى مع المسار الدولي فيها، وحاجة أمريكا لعدم استفراد روسيا بالملف السوري، فرغم أن كلا الطرفين هما الأكثر فاعلية في الملف السوري والأكثر تعطيلاً، لكنها الأكثر هيمنة وقوة وحاجة للتفاهم حول سوريا، خاصة وأن الملف الأوكراني اليوم يلقي بثقله على الطرفين. وديبلوماسياً تفعيل القرارين 2254 و2118 الملزمين بالتغيّر السياسي، وقبل هذا كله ملفات المعتقلين والمغيبين قسرياً داخلياً، والتململ العام الداخلي من كل الأوساط الشعبية من فشل السلطة القائمة في تحقيق تقدم قيد أنملة في أية مسألة سورية عامة. فيما تبدو نقاط متعادلة النتيجة لكنها قائمة وموجودة متمثلة بالبقية من المعارضة السورية، سواء المنضوية تحت الوصاية التركية التي تمثل نقطة تعادل وتوازن بين روسيا وأمريكا، وقوى المعارضة الديموقراطية المشتتة، لكنها تلعب دور الضاغط على الأولى.

يمكن أن نعد سادساً وسابعاً... وهذه مسألة مؤكدة بحكم تعقيدات المشهد السوري، فحيث لا يمكن الاكتفاء بالبعد الدولي منفرداً كمعطى، ولا الإقليمي أيضاً، ولا الداخلي وفقط، بل بقدر الطريقة التي يمكن ربطها ببعض وفق معادلات واقعية تبحث عن الأرجحية في الحل، لا الأرجحية في الأحلام والأماني وتكرار ذات المعادلة الصفرية بالخلط بين الوهم والحلم والواقع.

ربما يجب أن تكتب رواية عنوانها صائد الأحلام، توازي وتساوي من حيث الجوهر السياسي قصة السلطة غزوة، والحكم غزوة، وإن كان ثمة فارق شاسع بين هذه وتلك، فأهم فروقه لليوم والأكثر إفصاحاً عن نفسه، أن كل حلم اتخذ من كسب السلطة منفرداً حول الواقع لصفر سالب بالنتيجة، سواء كانت السلطة أو المعارضة، فيما كان ومازال كل حلم يبحث عن إيجاد الفارق في معادلة التعادل الصفرية، هو حلم يحاول ردم الهوة بين واقع اليوم والمستقبل غداً، وهذا ما يمكن أن يسمى حلماً في جنين دولة، يمكن أن يستنهض الوجدان الوطني مرة أخرى، ويبني أسس وطرق العمل الممكنة، وهذا ليس بصعب على السوريين.

 

ليفانت - جمال الشوفي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!